فصل: بَابُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ:

(الطَّلَاقُ عَلَى ضَرْبَيْنِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَّقْتُك فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ، وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ فَكَانَ صَرِيحًا وَأَنَّهُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ بِالنَّصِّ (وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ (وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِبَانَةَ) لِأَنَّهُ قَصَدَ تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّرْعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ (وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ الْعَمَلِ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهِيَ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْعَمَلِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّخْلِيصِ.
(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ) بِتَسْكِينِ الطَّاءِ (لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ عُرْفًا فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا قَالَ: (وَلَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَقَعُ مَا نَوَى، لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَفْظَهُ.
فَإِنَّ ذِكْرَ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ لُغَةً كَذِكْرِ الْعَالِمِ ذِكْرٌ لِلْعِلْمِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ قِرَانُ الْعَدَدِ بِهِ فَيَكُونُ نَصْبًا عَلَى التَّمْيِيزِ.
وَلَنَا أَنَّهُ نَعْتُ فَرْدٍ حَتَّى قِيلَ لِلْمُثَنَّى طَالِقَانِ وَلِلثَّلَاثِ طَوَالِقُ، فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ، لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَذِكْرُ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِطَلَاقٍ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ لَا لِطَلَاقٍ هُوَ تَطْلِيقٌ، وَالْعَدَدُ الَّذِي يَقْتَرِنُ بِهِ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا كَقَوْلِك أَعْطَيْته جَزِيلًا: أَيْ عَطَاءً جَزِيلًا.
(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ) وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ النَّعْتَ وَحْدَهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ فَإِذَا ذَكَرَهُ وَذَكَرَ الْمَصْدَرَ مَعَهُ وَأَنَّهُ يَزِيدُهُ وَكَادَةً أَوْلَى.
وَأَمَّا وُقُوعُهُ بِاللَّفْظَةِ الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَصْدَرَ قَدْ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الِاسْمُ، يُقَالُ رَجُلٌ عَدْلٌ أَيْ عَادِلٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ أَيْضًا وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ صَرِيحُ الطَّلَاقِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ، وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ، لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْكَثْرَةَ، لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ فَيَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ، وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِيهَا خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
هُوَ يَقُولُ إنَّ الثِّنْتَيْنِ بَعْضُ الثَّلَاثِ فَلَمَّا صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ صَحَّتْ نِيَّةُ بَعْضِهَا ضَرُورَةً، وَنَحْنُ نَقُولُ: نِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ لِكَوْنِهَا جِنْسًا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ.
أَمَّا الثِّنْتَانِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ فَعَدَدٌ وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ، وَهَذَا، لِأَنَّ مَعْنَى التَّوَحُّدِ يُرَاعَى فِي أَلْفَاظِ الْوُحْدَانِ وَذَلِكَ بِالْفَرْدِيَّةِ أَوْ الْجِنْسِيَّةِ وَالْمُثَنَّى بِمَعْزِلٍ مِنْهُمَا.
(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ وَقَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِي الطَّلَاقُ أُخْرَى يُصَدَّقُ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلْإِيقَاعِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ فَتَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا.
(وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ) لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى مَحَلِّهِ (وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ) لِأَنَّ التَّاءَ ضَمِيرُ الْمَرْأَةِ (أَوْ) يَقُولَ (رَقَبَتُك طَالِقٌ أَوْ عُنُقُك) طَالِقٌ أَوْ رَأْسُك طَالِقٌ (أَوْ رُوحُك أَوْ بَدَنُك أَوْ جَسَدُك أَوْ فَرْجُك أَوْ وَجْهُك) لِأَنَّهُ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، أَمَّا الْجَسَدُ وَالْبَدَنُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا غَيْرُهُمَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وَقَالَ: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» وَيُقَالُ: فُلَانٌ رَأْسُ الْقَوْمِ، وَيَا وَجْهَ الْعَرَبِ، وَهَلَكَ رُوحُهُ بِمَعْنَى نَفْسِهِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الدَّمُ فِي رِوَايَةٍ، يُقَالُ دَمُهُ هَدَرٌ، وَمِنْهُ النَّفْسُ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ نِصْفُك أَوْ ثُلُثُك طَالِقٌ) لِأَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ مَحَلٌّ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَثْبُتُ فِي الْكُلِّ ضَرُورَةً.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ».
قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا، وَلَقَدْ أَبْعَدَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ إذْ اسْتَشْهَدَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى ذَوَاتَ الْفُرُوجِ أَنْ يَرْكَبْنَ السُّرُوجَ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ الْفَرْجَ مِنْ الْأَعْضَاءِ الَّتِي يُعَبَّر بِهِ عَنْ جُمْلَةِ الْمَرْأَةِ، كَالْوَجْهِ، وَالْعُنُقِ، بِحَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِسْنَادِهِ إلَيْهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَدِيٍّ: أَجْنَبِيٌّ عَنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الشَّيْخَ قَلَّدَ هَذَا الْجَاهِلَ، فَالْمُقَلِّدُ ذَهِلَ، وَالْمُقَلَّدُ جَهِلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَدِيٍّ: أَخْرَجَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْقُرَشِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَوَاتَ الْفُرُوجِ أَنْ يَرْكَبْنَ السُّرُوجَ»، انْتَهَى.
وَضَعَّفَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي عَلِيٍّ الْقُرَشِيَّ، وَقَالَ: إنَّهُ مَجْهُولٌ، يَرْوِي عَنْهُ بَقِيَّةُ، وَرُبَّمَا قَالَ بَقِيَّةُ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ الْمَهْرِيُّ، وَرُبَّمَا قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ الْقُرَشِيُّ، لَا يَنْسِبُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
(وَلَوْ قَالَ يَدُك طَالِقٌ أَوْ رِجْلُك طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ).
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَقَعُ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ.
لَهُمَا أَنَّهُ جُزْءٌ مُسْتَمْتِعٌ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَمَا هَذَا حَالُهُ يَكُونُ مَحَلًّا لِحُكْمِ النِّكَاحِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فَيُثْبِتُ الْحُكْمُ فِيهِ قَضِيَّةً لِلْإِضَافَةِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُضِيفَ إلَيْهِ النِّكَاحُ، لِأَنَّ التَّعَدِّيَ مُمْتَنِعٌ إذْ الْحُرْمَةُ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ تَغْلِبُ الْحِلَّ فِي هَذَا الْجُزْءِ وَفِي الطَّلَاقِ الْأَمْرُ عَلَى الْقَلْبِ.
وَلَنَا أَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَيَلْغُوَ كَمَا إذَا أَضَافَهُ إلَى رِيقِهَا أَوْ ظُفْرِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ مَحَلَّ الطَّلَاقِ مَا يَكُونُ فِيهِ الْقَيْدُ، لِأَنَّهُ يَبْنِي عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ وَلَا قَيْدَ فِي الْيَدِ، وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ عِنْدَنَا حَتَّى تَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ (وَإِنْ طَلَّقَهَا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَهَا كَانَتْ طَالِقًا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً)، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ الْكُلِّ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي كُلِّ جُزْءٍ سَمَّاهُ لِمَا بَيَّنَّا.
(وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا) لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافٍ تَكُونُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ضَرُورَةً (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ، قِيلَ يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ) لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَيَتَكَامَلُ، وَقِيلَ يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ يَتَكَامَلُ فِي نَفْسِهِ فَتَصِيرُ ثَلَاثًا (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَهِيَ ثِنْتَانِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا فِي الْأُولَى هِيَ ثِنْتَانِ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ).
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي الْأُولَى لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَفِي الثَّانِيَةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمَضْرُوبِ لَهُ الْغَايَةُ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْت مِنْك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ مَتَى ذُكِرَ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الْكُلُّ كَمَا تَقُولُ لِغَيْرِك: خُذْ مِنْ مَالِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى مِائَةٍ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ وَالْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ سِنِّي مِنْ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ وَمَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى سَبْعِينَ وَيُرِيدُونَ بِهِ مَا ذَكَرْنَا، وَإِرَادَةُ الْكُلِّ فِيمَا طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْإِبَاحَةِ كَمَا ذُكِرَ إذْ الْأَصْلُ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ، ثُمَّ الْغَايَةُ الْأُولَى لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ وَوُجُودُهَا بِوُقُوعِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ، لِأَنَّ الْغَايَةَ فِيهِ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً يُدَيَّنُ دَيَّانَةً لَا قَضَاءً، لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ كَلَامَهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ).
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَقَعُ ثِنْتَانِ لِعُرْفِ الْحِسَابِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَلَنَا أَنَّ عَمَلَ الضَّرْبِ أَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي زِيَادَةِ الْمَضْرُوبِ وَتَكْثِيرُ أَجْزَاءِ التَّطْلِيقَةِ لَا يُوجِبُ تَعَدُّدَهَا (فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَهِيَ ثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ، فَإِنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ وَالظَّرْفُ يَجْمَعُ الْمَظْرُوفَ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ تَقَعُ الثَّلَاثُ، لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي تَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} أَيْ مَعَ عِبَادِي.
(وَلَوْ نَوَى الظَّرْفَ تَقَعُ وَاحِدَةً) لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا فَيَلْغُو ذِكْرُ الثَّانِي (وَلَوْ قَالَ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ فَهِيَ ثِنْتَانِ) وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ثَلَاثٌ، لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا لَكِنْ لَا مَزِيدَ لِلطَّلَاقِ عَلَى الثَّلَاثِ.
وَعِنْدَنَا الِاعْتِبَارُ لِلْمَذْكُورِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ).
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: هِيَ بَائِنَةٌ، لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالطُّولِ.
قُلْنَا لَا بَلْ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ، لِأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ وَقَعَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا.
(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ فَهِيَ طَالِقٌ فِي الْحَالِ فِي كُلِّ الْبِلَادِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُتَخَصَّصُ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان، وَإِنْ عَنَى بِهِ إذَا أَتَيْت مَكَّةَ يُصَدَّقُ دَيَّانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى الْإِضْمَارَ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ، وَإِنْ نَوَى إنْ مَرِضْت لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ.
(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَخَلَتْ مَكَّةَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ مَكَّةَ) لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالدُّخُولِ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ لِمُقَارَبَةٍ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالظَّرْفِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الظَّرْفِيَّةِ.

.فصلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ:

(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ) لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ وَذَلِكَ بِوُقُوعِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ، وَلَوْ نَوَى بِهِ آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ دَيَّانَةً لَا قَضَاءً، لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ.
(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِأَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ الَّذِي تَفَوَّهَ بِهِ) فَيَقَعُ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ، وَفِي الثَّانِي فِي الْغَدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ الْيَوْمَ كَانَ تَنْجِيزًا وَالْمُنَجَّزُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ، وَإِذَا قَالَ غَدًا كَانَ إضَافَةً وَالْمُضَافُ لَا يَتَنَجَّزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْإِضَافَةِ فَلَغَا اللَّفْظُ الثَّانِي فِي الْفَصْلَيْنِ (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَقَالَ نَوَيْت آخِرَ النَّهَارِ دُيِّنَ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً) لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ غَدًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَلِهَذَا يَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَهَذَا، لِأَنَّ حَذْفَ فِي وَإِثْبَاتَهُ سَوَاءٌ، لِأَنَّهُ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ وَالظَّرْفِيَّةُ لَا تَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ وَتَعَيَّنَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ ضَرُورَةً عَدَمَ الْمُزَاحِمِ، فَإِذَا عَيَّنَ آخِرَ النَّهَارِ كَانَ التَّعْيِينُ الْقَصْدِيُّ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الضَّرُورِيِّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَدًا، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ حَيْثُ وَصْفُهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُضَافًا إلَى جَمِيعِ الْغَدِ نَظِيرُهُ إذَا قَالَ: وَاَللَّهُ لَأَصُومَنَّ عُمْرِي، وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ فِي عُمْرِي، وَعَلَى هَذَيْنِ الدَّهْرَ وَفِي الدَّهْرِ.
(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَدْ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ فَيَلْغُو كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ أَوْ عَنْ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً بِتَطْلِيقِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلَ مِنْ أَمْسِ وَقَعَ السَّاعَةَ) لِأَنَّهُ مَا أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا أَيْضًا فَكَانَ إنْشَاءً وَالْإِنْشَاءُ فِي الْمَاضِي إنْشَاءٌ فِي الْحَالِ فَيَقَعُ السَّاعَةَ.
(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ أَوْ يَصِحُّ إخْبَارًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ) لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَ حَيْثُ سَكَتَ، وَهَذَا، لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى وَمَتَى مَا صَرِيحٌ فِي الْوَقْتِ، لِأَنَّهُمَا مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ، وَكَذَا كَلِمَةُ مَا لِلْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا دُمْت حَيًّا} أَيْ وَقْتَ الْحَيَاةِ.
(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ) لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْيَأْسِ عَنْ الْحَيَاةِ وَهُوَ الشَّرْطُ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ، وَمَوْتُهَا بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ هُوَ الصَّحِيحُ.
(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: تَطْلُقُ حِينَ سَكَتَ) لِأَنَّ كَلِمَةَ إذَا لِلْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وَقَالَ قَائِلُهُمْ: وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَتَى وَمَتَى مَا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِالْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: مَتَى شِئْت، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ كَلِمَةَ إذَا تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا.
قَالَ قَائِلُهُمْ: وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الشَّرْطُ لَمْ تَطْلُقْ فِي الْحَالِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَقْتُ تَطْلُقُ فَلَا تَطْلُقُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ، لِأَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلْوَقْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلشَّرْطِ يَخْرُجُ وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَلْبَتَّةَ.
أَمَّا إذَا نَوَى الْوَقْتَ يَقَعُ فِي الْحَالِ، وَلَوْ نَوَى الشَّرْطَ يَقَعُ فِي آخَرِ الْعُمُرِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُمَا.
(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ بِهَذِهِ التَّطْلِيقَةِ) مَعْنَاهُ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا بِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْمُضَافُ فَيَقَعَانِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ وَإِنْ قَلَّ وَهُوَ زَمَانُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ الْبِرِّ مُسْتَثْنًى عَنْ الْيَمِينِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، لِأَنَّ الْبِرَّ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَلَا يُمْكِنُهُ تَحْقِيقُ الْبِرِّ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْقَدْرَ مُسْتَثْنًى، وَأَصْلُهُ مِنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَاشْتَغَلَ بِالنُّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ وَأَخَوَاتُهُ عَلَى مَا يَأْتِيك فِي الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا طَلُقَتْ) لِأَنَّ الْيَوْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ يَمْتَدُّ كَالصَّوْمِ، وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ، لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمِعْيَارُ، وَهَذَا أَلْيَقُ بِهِ، وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} وَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ، وَالطَّلَاقُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَيَنْتَظِمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ خَاصَّةً دُيِّنَ فِي الْقَضَاءِ، لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَاللَّيْلُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا السَّوَادَ وَالنَّهَارُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْبَيَاضَ خَاصَّةً وَهَذَا هُوَ اللُّغَةُ.